يوم سقطت أمريكا في الفخ الاستراتيجي!
بالفعل تغيرت صورة العالم بعد تفجيرات (11 سبتمبر)، ولم يعد كما كان العالم من قبل، خاصة والحادث تزامن تاريخياً مع انهيار الامبراطورية الحمراء ونهاية الحرب الباردة، التي كان النظام العالمي في ظلها يقوم على توازن الرعب النووي بين المعسكرين الشيوعي الشمولي والليبرالي الديمقراطي، وما نتج عن انهيار المنظومة الاشتراكية من انفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم، في ظل نظام عالمي لم تتضح ولم تتبلور ملامحه النهائية بعد. حينها كانت ملامح المرحلة الامبراطورية في الولايات المتحدة قد بدأت تتضح وبصورة غائمة منذ حرب تحرير الكويت في عهد بوش الأب.
إلا أن أحداث سبتمبر أعطت النزوع الامبراطوري دفعة قوية ليعبر عن نفسه واقعياً وفعلياً في سياسات لم تدع الفرصة لأحد أن يشكك في مستقبل تأثيراتها على الأوضاع الدولية.
فداخلياً، قامت إدارة بوش الابن بترتيب الأوضاع لتشدد من قبضة السلطة التنفيذية أمنياً عبر مجموعة من القوانين التي تكرس الرقابة وتنتهك الحريات التي كفلها دستور الولايات المتحدة.
وخارجيا، حلت الحروب الاستباقية أو الوقائية محل العمل الدبلوماسي، وحلت العمليات العسكرية محل الحلول السياسية فكادت تصبح وزارة الخارجية فرعاً مدنياً من وزارة الدفاع، وبدأ الحديث بالفعل عن عدم الحاجة للسياسة الخارجية.
أحداث (11 سبتمبر) يمكن أن ينظر إليها من هذا المنظور كفخ استراتيجي وقعت فيه الولايات المتحدة، ويغالب حلفاءها في الغرب وفي غير الغرب أيضاً؛ مغبة السقوط فيه.
فأمريكا التي أعطت عدوها اسم الإرهاب، لم تسع إلى تعريف وتحديد هذا العدو، فأصبح عنوانا لكل جهة تريد أمريكا أن ترسل إليها قنابلها وعقوباتها الاقتصادية والسياسية.
وعملياً أصبح الإرهاب مع وجهه الآخر/الديمقراطية (صفة/شبهة) يمكن أن تلحق بكل من يبدي مجرد تحفظات على السياسات الخارجية الأمريكية بمضامينها وأهدافها وآلياتها التي ذكرناها قبل قليل، وواضح من الاستراتيجية التي طرحها بوش من قبل، وأثارت ما أثارت من ردات فعل يومها، أن دولا حليفة مثل روسيا يمكن أن تصنف في خانة الأعداء.
الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه الولايات المتحدة نتيجة تحليلها لتفجيرات سبتمبر كعمل إرهابي هو أنها لم تحاول تحليل أسباب ودوافع الإرهاب والإرهابيين، لقد اعتمد تحليلها على تساؤل بوش العاطفي «لماذا يكرهوننا؟!»، كقاعدة في التحليل، وذلك للوصول إلى إجابة نرجسية عاطفية/أنثوية، تتلخص في: «إنهم يغيرون منا» و «يحسدوننا» على ما ننعم به من حرية ورفاه.
لا يوجد تعليقات